كريم البيضاني

هذه ليست نظريات او فنتازيا من وحي الخيال بل هي معايشة دائمة لحالة عراقية مزمنة..

عندما كنت اسافر بسيارتي عبر اوربا وصولا الى حدود العراق في منفذ ابراهيم الخليل الحدودي تشعر انك في العراق..ولكن كيف رأيت الامور طوال عقود من الزمان والمشهد يتكرر كل مرة..

اولا ان السفر عبر اوربا وخاصة دول اوربا الشرقية ثم تركيا ومنها الى العراق هو طريق ممتد لالاف الكيلومترات..

تركب السيارة وتمر عبر تركيا..كانت الطرق في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات في تركيا متباينة ..حيث ان النصف المحاذي لاوربا طرقه حديثة وفيه خدمات جيدة ومحطات وقود ومطاعم نظيفة وخدماتها سياحية راقية وماكولاتها الشهية الخ

تتجه من اسطنبول وتمر بالطريق المحاذي لانقرة عاصمة تركيا وترى المدينة من بعيد بمبانيها الحديثة العالية..ثم تتجه الى الشرق حيث العراق..وكان الطريق المار عبر سلسلة جبال ماوت او الموت لا اعلم ولكن الطريق كان وعرا جدا وغير معبد وحجري..وكل مرة نمر فيها بالطريق نجد هناك تغيير جذري حيث اصبحت الطرق السريعة الهاي وي..ثم تقترب من العراق..واثناء المرور من مدن الجنوب الشرقي التركية تشعر انك في عالم اخر يتدرج بالتغيير كلما اقتربت من الشمال العراقي..وتقترب من الحدود السورية حيث تمر بطريق صحراوي يمتد لمسافة تصل الى 400 كيلومتر ..تشعر فيه بتغير الطقس من الاوربي المعتدل الجبلي الى الحار الصحراوي والارض من اللون الاخظر الى الاصفر الصحراوي..ولا اعلم الان بعد مرور سنين طويلة كيف اصبحت الامور هناك..

لاني لا استطيع المرور عبر سوريا بسبب الحرب ولا على المنفذ الحدودي العراقي في ابراهيم الخليل حيث يسيطر عليه حزب مسعود برزاني الجاهزة قواته الامنية الانقضاض على اي شخص ذكر كلمة اف على القائد ..

المهم حين تصل الى زاخو اولى المدن الحدودية العراقية تشاهد الجبال والتلال الجرداء الخالية من الاشجار وتبدأ مظاهر البؤس والطرق البدائية بلا اشارات مرور ولا مطاعم ومحطات وقود جيدة مثل التي تصادفها في تركيا..وترى فقط صور صدام وشعارات حزب البعث الفاشي وشعارات الكراهية والعنصرية ضد الامم والشعوب الاخرى..تبدأ الحالة بالتعقيد وانت تقترب من الموصل والى ان تصل الى بغداد وتدخل في فوضى هذه المدينة التي تعتبر افظل المدن العراقية من ناحية الاهتمام الخدمي الحكومي والعمراني ..طبعا بمقاييس قندهار وزنجبار وليس ابسط قرية تركية محاذية للحدود العراقية..

ماذا تجد..لا اشارات وقوانين مرور ولن هناك الطيط والبيب ولعنات السواق مع بعضهم والمعارك بين الصادم والمصدوم..وسيارتك الجميلة النظيفة يتحول لونها الى سيارة عسكرية قادمة من جبهة حرب وفلاترها مليئة بالاتربة وقد لايفيدك الحال ان كانت سيارتك مخصصة للاجواء الاوربية بلا تبريد الخ ..واول ما يتبادر الى الادهان تلك المدن التي صممها مدحت باشا وتركت على حالها الى الان..حيث الشوارع مخصصة للخيول والفشقي والربل وعربات القمامة وبعض المناطق المعزولة المستثنات من البؤس العراقي المزمن..

اتفق صدام وليس غيره على بناء طرق سريعة بدلا من قطارات الانفاق وعلى طرق سيارات بدلا من قطارات سريعة ومنتشرة في كل البلدان كما هو الحال في كل البلدان التي وصل لها العمران الحديث..منعت الطرق السريعة على المنطقة الشرقية من العراق مثل الكوت والعمارة الى البصرة بحجة قربها من ايران..وهكذا بقي الطريق الى الان ولنفس الاسباب..طرق وشوارع مدن العراق لاتوجد فيها ادامة مثل التنظيف اليومي او المتابعة في عدم رمي النفايات من شباك السيارات المليونية التي تجوب الشوارع والتي لاتوجد مواصلات اخرى غيرها في مدينة يزيد عدد سكانها عن عشرة ملايين نسمة..الحل بسيط وهو جلب شركات اجنبية ليس فقط تبني البنى التحتية الخدمية مثل المجاري وانابيب تصريف مياه الامطار بل وايضا تعبد الطرق وتضع لها العلامات المرورية حتى في ابعد طريق زراعي..واشتراط حصول اجازة سوق ان يدخل السائق دورة نظرية في كيفية الاتزام بقوانين المرور والاشارات والحفاض على البيئة..حتى لا تنغلق فوهات مجاري تصريف مياه الامطار بسبب قذارة الطريق الذي لاتنظف جوانبه التي يتراكم بجانبها الاتربة وفظلات السواق والرمال التي تتساقط من الجو بسبب الجفاف..سبب غرق الشوارع هو تراكم كل ماذكرنا في فوهات المجاري وليس عجز المجاري نفسها..العلة في العقلية العراقية التي ادمنت على عدم الحرص على ممتلكات الدولة التي من المفروض هي ملك للشعب نفسه..يشتكون ويساهمون في خلق المشكلة..الفساد والسرقة والاهمال والتقصير في الواجب مجتمعه هي السبب..في لغتنا نسمي المظلة..شمسية وهي الواقية من اشعة الشمس ولكن من يستخدمها صيفا لهذا الغرض يتعرض للاستهزاء..وقيس على ذلك

..نسيت ان اذكر ان السيارة التي سافرت بها الى العراق لاتصلح بعد ذلك للاستخدام في امكان اخر ى غير العراق لانها سكراب..