( اخي الاكبر كان ( استشهادي ) – اي انتحاري
ياليتني لم أزر البصرة!!
جاء الأصدقاء عبد الله ومسعد من المملكة العربية السعودية إلى البصرة في بطولة الخليج 25 لم يكونوا ليتوقعوا حفاوة الترحيب والكرم الذي وجدوه في البصرة وبالأخص كلمات الترحيب النابعة من القلب ..
وبعد عدة أيام اقترح عبد الله أن يتجولوا في المناطق الشعبية البسيطة لأنهم استشعروا الأمان في هذه المحافظة.
وفعلا تجولوا في إحدى المناطق الشعبية وبين الحين والأخر يستقبلهم أبناء هذا الحي ليضيفوهم لان الوقت قريب لوجبة الغداء وكانوا يعتذرون.. إلى أن أتتهم أمرأة عجوز استقبلتهم بكلماتها العفوية النابعة من طيبة قلبها قائلة : (هلا يمه اوليداتي هلا بيكم اتفضلوا وياي)… فعتذروا
فقالت : (الله عليكم حبوبي اتغدوا عدنه بثواب الحسين والله غدانه .. وتفرحونه بجيتكم) .
كانت كلماتها مؤثرة فقرروا أن يذهبوا معها بشرط أن لا يكلفوها ما لا تطيق وفعلا دخلا معها ذلك البيت البسيط من الابلوك وكانت غرفة الاستقبال هي نفسها غرفة العجوز …
سمعوها تقول لأحد الأولاد :(تعال حسوني هاك هذا الإلف روح جيبلنه بردغال) يعني (برتقال)
وبعد فترة قصيرة جائتها فتاة فقالت : (بيبي اتكول أمي الخبزات اكليلات!! ( يعني قليلات) فقالت: (اركضي صيحي حسوني كليلة خلي يرجع البردغال ويجيب بالإلف خبز .. ((برد حيلكم أحلوكم مو مال بردغال))
(يعني أفواهكم لا تستحق أن تأكلوا البرتقال).
والظاهر أنها ليست لديها أموال غير هذا الإلف دينار فقط .
جاءت بالغداء وهو عبارة عن تمن ومرق عدس وخبز وتمر وبصل تعلو كلمات الترحيب والفرحة : (هلا وميت هلا بيكم شرفتونه …هلا يمه هلا بيكم … لم تسالنا من أي دولة كل ما قالت انتم جايين للطوبة.( أي كرة القدم) فقلنا نعم ..
تفضلوا لغداكم وعذرونه على التقصير ,غدانه على كد الحال …
كان هذا الغداء اجمل ما أكلنا في البصرة رغم بساطته واستمتعنا بكلامها الطيب والفطري وهي تتحدث عن البصرة وبعد الغداء جاءت بالشاي وفي بعض الأحيان تقول كلمات للأولاد لا نفهم معناها ..ولكن نبتسم ونضحك لأسلوبها الفطري وتعاملها مع أحفادها اللطيف..
فسألها مسعد ليختبرها من هو الحسين الذي ذكرتيه؟
فقالت : جا هوه غير الحسين ابن الزهرة الزجيه وأبوه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب سلام الله علية. وحنه شعدنه غير الحسين وحب الحسين هو كلشي بحياتنه… الدنيا كاضية يمه ,,مايفيدنه بس حبهم والعمل الصالح)
فسألها عبد الله هل عندك معيل فتحسرت وقالت : ولد واحد و انطاكم عمره وعنده ثلاث أولاد وبنت .
فقال : وهل عندكم راتب؟ فقالت:( نعم بس ما يكفي انه وياهم نشتغل بالقواطي) ( يعني يجمعون علب المشروبات الغازية الفارغة ويبيعونها)والحمد لله العيشة دابره ..
فقال عبد الله وكيف مات أبوهم ؟
فقالت: طلع يشتغل عمالة ومات بالانفجار…
فقال عبد الله : رحمه الله تعالى برحمته الواسعة كان الله في عونكم ..
تأثر مسعد كثيرا وقال لصديقة هيا لنذهب وكان مضطربا .
فقال له عبد الله ينبغي أن نساعدهم فقال له فهد نعم ولكن ليس ألان علينا أن نخرج!!!
فخرجا وتشكرا من العجوز وواعدها عبد الله بأنه سوف يزورها لاحقا .
وبعد أن صعدوا في السيارة انهال فهد في البكاء ..بكاء شديد بألم وحسرة …
فاستغرب عبد الله وقال ما بك يا أخي اخبرني ما الذي يبكيك فقال مسعد: إن أخي الأكبر كان استشهادي في العراق, أهؤلاء الناس الذين كنا نقتلهم ونفجر أجسادهم …
كيف غرس فينا علماء السوء إنهم مشركين وكفار ..وكيف استطاعوا ان يغيروا صورتهم الحقيقية عنا… وهم بهذا الإيمان والبساطة و الطيبة والفقر …
ما لذي فعلوه لنا لكي نفجرهم …وهل تتصور إن الله سيلقيهم في جهنم وهم بهذا الحب لأهل البيت, الذين هم سادة أهل الجنة ..
هذه عائلة من ألاف العوائل في العراق.. يا ألاهي ما لذي فعلناه وأي جريمة ارتكبتاها بأنفسنا وبحق اخوتنا في الدين والعروبة والإنسانية. وبأي شي نعوضهم وبأي وجه نقابل الله تعالى ..
ياليتني لم ازر البصرة.. ياليتني لم ازر البصرة..
—
طارق هداب